بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين :
صفات الأديب المسلم
أيها الأديب المسلم , هذه صفات الأديب المسلم الذي يريد الله و الدار الآخرة بأدبه , بكلمته , بشعره , بنظمه , بقصته .
أولاً : الإخلاص و صدق اللجوء إليه سبحانه و تعالى : " ألا لله الدين الخالص " [ الزمر : 3 ] . و الدين كل ما يمكن أن يوجه إلى الله سبحانه و تعالى , النظم و النثر و الحياة و الممات , و الليل و النهار , الدنيا و الآخرة .
" قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين " [ الأنعام : 162 ] .
ثانياً : على الأديب أن يكون مطلعاً , خاصة على كتاب الله عزًّ و جل , و ما صح عنه صلى الله عليه و سلم من أحاديث , أتريد الأدب ؟ أتريد الجمال ؟ أتريد الروعة ؟ إنه في كتاب الواحد الأحد , في الوحي الذي أنزله الله على نبيه و مصطفاه صلى الله عليه و سلم .
و إن أديباً لا يطالع كتاب الله عز و جل بكثرة و يتأمل عجائبه , و يعيش في رياضه , و يتمشى في حدائقه , و يسير في بساتينه , لهو أديب ناقص لا زال في فقر من الروعة و في اضمحلال من الإبداع .
ثم عليك بالاطلاع على أدب الناس , و ما كتبه المبدعون , و ما صوره المرشحون للكلمة الحارة من الشعراء الكبار , من القصاصين و من المؤلفين .
ثالثاً : من صفات الأديب : الجودة , أن يعتني بالجودة على حساب الكم , فإن الطيب قليل :
سامحاً بالقليل من غير عذل ربما أغنى القليل و أرضى
و كلما طاب الشيء قل :
قليل منه يكفيني و لكنْ قليلك لا يقال له قليل
نريد في السنة قصيدة , لكنها حيةٌ , و لا نريد في السنة ألف قصيدة لكنها ميتة .
و قد ذكروا عن زهير بن أبي سلمى أنه كان صاحب حوليات , و المتنبي ليس له إلا ما يقارب 6000 بيت و هو شاعر العربية بلا منازع .
رابعاً : العاطفة , أن يكون الأديب صاحب عاطفة , يحمل وجداناً في قلبه , يحمل حماسة و حرارة , يخاطب الناس من سويداء قلبه لا من شفتيه , و يتكلم للناس من روحه لا من لسانه , و يخاطب الجماهير من داخله لا من خارجه .
و العاطفة إذا انطفأت في الأدب تحول إلى كلام بارد , و تحول إلى غثاء من الجمل , و تحول إلى ركام من العبارات و مات في مهده , و لذلك انظر ما تبثه وسائل الإعلام في البلاد الإسلامية من صحف و من تلفاز و من مذياع من كثرة القصائد و كثرة القصص و كثرة المقالات و الخطب , و قليل منها يحيا و آلاف آلاف منها تموت و لا يذكرها حتى قائلها !
خامساً : من صفات الأديب المسلم : التأمل , أن يكون متدبراً لأسرار الله في الكون متطلعاً إلى آيات القدرة في خلق السماوات و الأرض , يتأمل الليل إذا عسعس و الصبح إذا تنفس .
و كتاب الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتابي
سادساً : و نطالب الأديب ألا يكثر , فإن الكثرة عرضة للتقصير , و حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق , و أن يبقى حتى تريده الأنفس و تشتاق إليه الأسماع و تسأل عنه العيون , فيأتي في وقته .
قال ابن مسعود في الصحيح : " كان صلى الله عليه و سلم يتخولنا في الموعظة كراهة السآمة علينا " _أخرجه البخاري برقم ( 68 , 70 , 6411 ) , و مسلم برقم ( 2821 ) , و غيرهما _
فلا نريد من الأديب أن يكون مهذاراً , متكلماً في كل ناد , خطيباً في كل مجلس , يعيد و يكرر , و يرشق الأسماع صباح مساء . لا . لكنه يأتي على شوق .
سابعاً : إلهاب الوجدان , فالأمم بأدبائها , و لا تتحرك الجيوش , و تحطم الأسوار و لا تفتح المعاقل إلا بعقائد تحملها , إما صالحة و إما فاسدة , و لا يلهب هذه العقائد و يحركها في النفوس إلا الشعراء .
و لكل أمة شعراء , و عجبٌ أن أدباء لروسيا ألهبوا حماس البلاشفة الحمر حتى قدموا جماجمهم تحت الدبابات في أفغانستان . و أن شعراءَ لإسرائيل , ألهبوا الحماس في و جدان أبناء القردة و الخنازير فباعوا ضمائرهم و مزقوا أجسامهم تحت المجنزرات في سيناء .
فأين شعراء أمة محمد صلى الله عليه و سلم ؟ و أين أدباء ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ؟ و أين خطباء " إياك نعبد و إياك نستعين " [ الفاتحة : 5 ] ؟
ثامناً : أن يعيش الأديب الأمة , فلا يكلم الأمة من برج عاجي , و ألا ينعزل عنها بل يعيش آلامها و آلامها , دموعها , بسمتها , ليلها , نهارها , يخاطب حاجة الفقير و يرفعها للناس , يشيد بالمكرمة في الكريم , يصف الشجاعة في الشجاع , يحيي البطولات في الأبطال , يثني على العلم في العلماء , يحيِّي حسن القيادة في الزعماء بدون رياء و بدوم مجاملة .
إن الأديب الذي يعيش لنفسه و أوراقه و مكتبته و غرفته لا يمكن أن يكون أديباً للأمة , بل هو أديب لنفسه يموت بموت قلمه , و بموت روحه التي بين جنبيه .
أيها الأديب المسلم ! إن هذه الرسالة أمانة , و إنها هدية أقلدك إياها و أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه " يوم لا ينفع مال و لا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم " [ الشعراء : 88 , 89 ] .
و أطالبك أيها الأديب أن تحفظ موهبة الله التي عندك فسوف يسألك عنها يوم يبعثَر ما في القبور , و يحصَّل ما في الصدور , " ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين " [ الأنعام : 62 ] .
شكر الله لك أيها الأديب و زادك توفيقاً و هداية و رشداً , و بصرك بما ينفع أمتك , و علمك من لدنه , و هدانا و إياك سواء السبيل .
سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون و سلام على المرسلين , و الحمد لله رب العالمين .
و صلى الله على محمد , و آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً .
من كتاب مملكة البيان للدكتور عائض بن عبد الله القرني
و هو كتاب جميل أنصحكم أن تقرؤوه
جعلنا الله و إياكم من أهل الإخلاص